المقالات

مقاومة المضادات الحيوية: الخطر الصامت الذي يهدد صحتنا

مقاومة المضادات الحيوية: الخطر الصامت الذي يهدد صحتنا

مقاومة المضادات الحيوية (Antibiotic Resistance) هي ظاهرة تحدث عندما تتغيّر البكتيريا بحيث تصبح غير قادرة المضادات الحيوية على قتلها أو إيقاف نموّها، مما يجعل العدوى الجرثومية صعبة أو أحيانًا مستحيلة العلاج . ينتج عن هذا الأمر انتشارًا أسرع للأمراض، وارتفاعًا في معدلات الإعاقة والوفاة، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في تكاليف الرعاية الصحية . ينتشر عامل مقاومة المضادات الحيوية بفعل الاستخدام المفرط وغير المناسب للأدوية، ونقص التوعية العامة، وانتقال الجينات المقاومة بين البكتيريا عبر البيئة والطعام والحيوان والإنسان . يمكن الوقاية من هذا الخطر الصامت عبر الاستعمال الرشيد للمضادات الحيوية، وتطبيق مبادرات إدارة المضادات الحيوية (Stewardship)، والتوعية الصحية الشاملة، وتعزيز البحوث لإنتاج أدوية جديدة .

ما هي مقاومة المضادات الحيوية؟

مقاومة المضادات الحيوية (AMR) تعني قدرة البكتيريا على النجاة والتكاثر رغم التعرض للأدوية المضادة لها .
لا يعني هذا أن جسم الإنسان أصبح مقاومًا للأدوية، بل أن الجرثومة هي التي طوّرت آليات تحميها من الأثر الدوائي .
عندما تتغيّر البكتيريا عبر تحوّرات جينية أو تبادل جينات مقاومة مع أخرى، يقلّ فعالية المضاد الحيوي المستخدم، وقد تضطرّ الطواقم الطبية للجوء إلى أدوية أكثر سمية أو تركيبات مركّبة أغلى ثمنًا .

أسباب انتشار المقاومة

  1. الاستخدام المفرط وغير المناسب للأدوية: مضاعفة الجرعات أو تناول المضادات بدون وصفة طبية يسهم في انتقاء السلالات المقاومة .
  2. التشخيص البطيء أو الخاطئ: عدم إجراء فحوص مسبقة لتحديد نوع البكتيريا قد يؤدّي لوصف مضاد خاطئ لا يقتل الجرثومة الفعلية .
  3. التربية الحيوانية غير المراقبة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي للدواجن والماشية يزيد من انتشار الجينات المقاومة في البيئة والطعام .
  4. نقص الوعي الصحي: الكثير من المرضى يتركون العلاج قبل إكمال الجرعات أو يشاركون الدواء مع الآخرين .
  5. قلة تطوير أدوية جديدة: الأسواق الدوائية تستثمر أقل في مضادات جديدة، بسبب التكلفة العالية وصعوبة الاكتشاف والتراخيص .

تأثيرها على الصحة العامة

  • ارتفاع معدلات الوفيات والإعاقات: يقدّر تقرير لانسيت أن المقاومة ستتسبب بأكثر من 39 مليون وفاة مباشرة بين 2025 و2050، إضافةً إلى 169 مليون وفاة غير مباشرة .
  • زيادة الإقامة في المستشفيات: العدوى المقاومة تتطلب علاجًا أطول وإمكانات رعاية مركزة، مما يزيد الضغط على المنشآت الصحية .
  • تكلفة اقتصادية ضخمة: الخسائر السنوية المتوقعة بسبب العلاج الإضافي وضياع الإنتاج قد تصل إلى تريليونات الدولارات بحلول 2030 .
  • خطر على الإجراءات الطبية الحديثة: دون مضادات فعّالة، تصبح جراحات زراعة الأعضاء والعلاج الكيميائي والولادات القيصرية محفوفة بالمخاطر .

كيف نواجه هذه الأزمة؟

1. الاستعمال الرشيد للمضادات الحيوية

  • التزام المرضى بإكمال الدورة العلاجية كاملة حتى لو شعروا بالتحسن المبكر .
  • عدم استخدام المضادات الحيوية لعلاج الأمراض الفيروسية مثل نزلات البرد والإنفلونزا .

2. مبادرات إدارة المضادات الحيوية (Antibiotic Stewardship)

  • اعتماد بروتوكولات وطنية وإقليمية لقياس وتحسين وصف الأطباء للمضادات الحيوية .
  • تدريب المهنيين الصحيين على أفضل الممارسات وتبادل البيانات حول انتشار المقاومة .

3. تحسين التشخيص المخبري

  • تفعيل المختبرات السريعة لاكتشاف نوع البكتيريا ومقاومتها قبل وصف العلاج .
  • نشر تقنيات التشخيص الجزيئي التي تقلّل وقت الانتظار إلى ساعات قليلة بدلاً من أيام .

4. التوعية والتثقيف الصحي

  • حملات توعية عبر وسائل الإعلام وويب صحتي تستهدف المرضى والأهالي .
  • إدراج برامج تعليمية في المدارس لشرح مخاطر الاستخدام العشوائي للأدوية .

5. البحث وتطوير أدوية جديدة

  • دعم الأبحاث الدوائية في القطاعَين العام والخاص لإنتاج مضادات حيوية بآليات جديدة .
  • تشجيع الشراكات الدولية لتسهيل التجارب السريرية وتبادل المعرفة .

خاتمة

مقاومة المضادات الحيوية ليست فقط مشكلة صحية عابرة، بل أزمة عالمية تتطلب تعاون جميع القطاعات: من المرضى والأطباء، إلى الحكومات والباحثين والشركات الدوائية. عبر الاستخدام الرشيد والتوعية والابتكار، يمكننا حماية صحتنا ومستقبل الأجيال القادمة من هذا الخطر الصامت.

لمزيد من المعلومات والنصائح حول الاستخدام الآمن للمضادات الحيوية، تفضل بزيارة قسم “صيدلية وصحة” على موقع ويب صحتي.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-