في أعماق كل شخص بالغ، يعيش طفل صغير لم يُسمَع بما فيه الكفاية… لم يُحتَضن حين خاف… ولم يُطمأن حين تألم.
قد تكون ناضجًا وواعيًا اليوم، لكنك لا تزال تتصرف أحيانًا كطفل جُرِح في الماضي، سواء في الغضب، أو التعلق، أو الانهيار أمام مواقف لا تبدو خطيرة ظاهريًا.
في هذا المقال، نتحدث عن:
- من هو "الطفل الداخلي"؟
- كيف يؤثر عليك حتى بعد البلوغ؟
- كيف تصادقه، وتعيد له الإحساس بالأمان الذي افتقده؟
ما هو الطفل الداخلي؟
هو الجزء العاطفي العميق في داخلك، الذي يحمل تجاربك الأولى مع الحب، الخوف، الاحتياج، الغضب، والأمان.
هو صوتك حين كنت صغيرًا… الذي لم يُسمَع.
هو دمعتك المكبوتة… وصرختك الصامتة.
هو الذي لا يزال يعيش فيك، ويؤثر على اختياراتك وسلوكك… حتى دون أن تدري.
كيف يظهر الطفل الداخلي في حياتك الآن؟
- التعلق الشديد بمن تحب، والخوف من الهجر
- ردود فعل عاطفية مبالغ فيها تجاه الانتقاد أو التجاهل
- الحساسية المفرطة
- الحاجة المستمرة للتقدير والتأكيد
- الانهيار عند الشعور بالرفض
- الشعور الدائم بأنك غير مرئي أو غير مسموع
لماذا يصعب علينا تجاهله؟
لأنه هو من "تعلّم" كيف نحب ونُحَب
هو الذي رسم شكل الأمان… أو الخوف
هو الذي "كوّن صورتك عن نفسك" في وقت مبكر، من خلال:
- كيف عوملت في طفولتك
- ما سُمح لك أن تعبّر عنه
- كم شعرت أنك مهم ومحبوب وغير مشروط
هل الطفل الداخلي دائمًا مجروح؟
ليس دائمًا.
لكن أغلب الناس يحملون في داخلهم طفلاً لم يُحتضن كما يستحق.
ربما لم تكن بيئتك قاسية… لكنها لم تكن واعية.
ربما لم يُسمح لك أن تحزن، أو تغضب، أو تبكي.
فأصبحت تخجل من مشاعرك… أو تنكرها… أو تقمعها.
كيف تعرف أن طفلك الداخلي يطلب انتباهك؟
- تشعر أنك تُعامَل بشكل غير عادل وتنفجر بسرعة
- تحتاج دائمًا أن يُثبت الآخرون أنك مهم
- تخاف من أن تُرفض، حتى لو لم يكن هناك تهديد حقيقي
- يصعب عليك الثقة، أو تطلب حبًا مفرطًا
- تشعر أنك "طفل كبير"… تتظاهر بالقوة بينما تتألم
كيف تبدأ رحلة الصداقة مع الطفل الداخلي؟
1. اعترف بوجوده
لا تنكر أنه موجود. لا تقل "أنا كبرت وانتهى الأمر".
بل قل لنفسك:
"فيّ طفل خائف أو متألم… وحان وقت الإنصات له لا تجاهله."
2. اكتب له رسالة
خصص 10 دقائق واكتب له:
- ماذا كنت تحتاج ولم تحصل عليه؟
- ما الذي أزعجك حينها؟
- ماذا تريد أن يسمع هذا الطفل الآن؟
قد تندهش من كمية المشاعر التي تظهر خلال الكتابة.
3. تحدث معه بلطف
جرب أن تقول له بصوت داخلي أو مسموع:
"أنا معك الآن… أراك، وأفهمك، ولن أتركك وحيدًا بعد اليوم."
هذه الكلمات البسيطة تحدث تأثيرًا عميقًا في النفس.
4. تخيل أنك تحتضنه
تأمل بسيط:
- أغمض عينيك
- تخيّل نفسك طفلًا صغيرًا
- تخيل أنك (بنفسك البالغة) تحتضنه وتطمئنه
- كرر: "أنت بأمان… أنت محبوب… أنت تستحق"
5. احمه من العلاقات التي تكرّر ألمه
إذا كنت تعرف أن علاقة ما تُشعرك بالإهانة أو الهجر —
لا تبقَ فيها باسم "التحمل".
بل اسأل نفسك:
"هل سأسمح لأحد أن يعامل طفلي الداخلي بهذا الشكل؟"
6. اطلب المساعدة إذا احتجت
في بعض الحالات، تحتاج لمرشد أو معالج نفسي لمرافقتك خلال هذه الرحلة العميقة… خاصة إن كان الطفل يحمل صدمات أو مشاعر مكبوتة منذ الطفولة.
خلاصة
الشفاء لا يكون بإنكار ما عشناه… بل بالعودة بلطف إلى الطفل الذي عشناه.
أنت اليوم الراشد الذي يمكنه أن يحتضن ذاك الطفل، ويمنحه الأمان الذي لم يجده سابقًا.
والخبر السار؟
لم يفت الأوان… والاحتضان يبدأ منك، إليك.
📚 للمزيد من مقالات الشفاء النفسي والعمل الداخلي، زر ويب صحتي.